لا
تتعجب ـ أيها المريد الصادق ـ من هذه الحكاية، ولا من غيرها؛ فمن قرأ النصوص
المقدسة، وتدبر فيها، وعاش معانيها، يحتاط لنفسه، ولا يتبع هواه، وكيف يتبعه، وهو
يعلم أن موازين الآخرة، لن تترك ذرة من الأعمال دون أن تزنها، ودون أن يحاسب
صاحبها عليها.
لذلك
بادر الصالحون والعقلاء إلى محاسبة أنفسهم قبل أن يحاسبوا.. ووضعوا كل حين بين
أعينهم قوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ
خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: 47]،
وقوله: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ
(6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 6 - 8]
فلهذا
لم ينتظروا أن تنصب لهم تلك الموازين في الآخرة، بل نصبوها لأنفسهم في الدنيا؛
فحاسبوها على الصغير والكبير، وبادروا إلى التوبة عند كل خطأ مهما احتقره الناس،
أو لم يبالوا به.
وكل
ذلك حذرا من أن يصيبهم ما أصاب أولئك الذين وصفهم الله تعالى، فقال: ﴿وَوُضِعَ
الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ
يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً
إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ
أَحَدًا﴾ [الكهف: 49]
أو
أولئك الذين نسوا أعمالهم، ولكن الله تعالى لم ينسها، قال تعالى: ﴿يَوْمَ
يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ
وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المجادلة: 6]