وهذه القطعة من الدعاء ـ
بالإضافة إلى احتوائها على قيم العبودية الخالصة لله والممتلئة بالأدب الرفيع
والشفافية الروحية العالية ـ تدل كذلك على أن من صفات كمال الله عدله المطلق الذي
لا حدود له، وهو من المفاهيم التي وقعت فيها الكثير من الأخطاء في المدارس
الإسلامية، ولهذا نجد في الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت تصحيح تلك المفاهيم
التي انحرفت عن المعاني القرآنية.
وأول من أشار ذلك الإمام
علي عندما طرحت المسألة في عصره؛ فسئل عن التوحيد
والعدل؛ فأجاب بعبارة جامعة بقوله: (التوحيد أن لا تتوهمه، والعدل أن لا تتهمه)[2]،
وهي عبارة تلخص الكثير من القيم الإيمانية التي حرص أئمة أهل البيت على الدعوة
إليها.
وقد أشار ابن أبي الحديد إلى
قيمة تلك العبارة الجامعة، ومدى تأثيرها في عقائد المعتزلة، على عكس ما يشاع من
تأثر الإمامية بالمعتزلة؛ فقال: (هذان الركنان هما ركنا علم الكلام، وهما شعار
أصحابنا المعتزلة لنفيهم المعاني القديمة التي يثبتها الأشعري وأصحابه، ولتنزيههم الباري
سبحانه عن فعل القبيح، ومعنى قوله: (أنْ لا تتوهمه): أنْ لا تتوهمه جسماً أو صورة
أو في جهة مخصوصة أو مالئاً لكل الجهات، كما ذهب إليه قوم، أو نوراً من الأنوار،
أو قوة سارِيّة في جميع العالم كما قاله قوم، أو من جنس الأَعراض التي تحل الحالّ
أو تحل المَحَل وليس بعَرض، كما قاله النصارى، أو تحله المعاني والأعراض فمتى
تُوُهّم على شيء من هذا فقد خولف التوحيد.. وأما الركن الثاني فهو (أنْ لا تتهمه):
أي أَنْ لا تتهمه في أنَّه أَجبرك على القبيح ويعاقبك عليه، حاشاه من ذلك ولا
تتهمه في أنَّه مكّن الكذّابين من