وهاتان
الآيتان الكريمتان واضحتان في الدلالة على ولاية الفقيه، حيث أنهما تنصان على أن
الاتباع لا يكون إلا للمهتدين، ولا يكون المرء مهتديا ما لم يكن له علم مفصل
بمواضع الهداية، وذلك ليس إلا للفقيه العالم.
2
ـ قوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ
أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ
مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا
قَلِيلًا﴾ [النساء: 83]، فهذه الآية الكريمة تصرح بالدعوة للرجوع لرسول
الله a أو لأولي الأمر،
وهي تذكر من صفاتهم القدرة على استنباط حكم الله في المسألة، وذلك لا يكون إلا
للفقيه العالم.
وقد
ذكر هذا المعنى الكثير من فقهاء المدرسة السنية، ومنهم الإمام الجويــني، الذي نص
على هذا بقوله: (إذا كان صاحب الأمر مجتهداً فهو المتبوع، الذي يستتبع الكافة في
اجتهاده ولا يتبع، أما إذا كان سلطان الزمان لا يبلغ مبلغ الاجتهاد فالمتبوعون
العلماء، والسلطان نجدتهم وشوكتهم، والسلطان مع العالم كملك في زمان نبي، مأمور
بالانتهاء إلى ما ينهيه إليه النبي)[2]
ويصرح
في موضع آخر من كتابه على ذلك بقوله: (إذا شغر الزمان عن الإمام، وخلا عن سلطان ذي
نجدة وكفاية ودراية، فالأمر موكول إلى العلماء، وحق على الخلائق على اختلاف
طبقاتهم أن يرجعوا إلى علمائهم، ويصدروا في جميع قضايا الولايات عن رأيهم، فإن
فعلوا ذلك، فقد هدوا إلى سواء السبيل، وصار علماء البلاد ولاة العباد، وهم على
الحقيقة أصحاب الأمر استحقاقاً، وذو النجدة من الحكام مأمورون بارتسام مراسمهم،