اشتد غضب سليمان
من ذلك العقل ومن تدبيره، قال تعالى :﴿ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ
فَمَا آتَانِي اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ
تَفْرَحُونَ﴾ (النمل:36)، لأن
قوم سبأ أرادوا أن يظهروا بعض ما أوتوا لسليمان ليرشوه به، ولكنه نظر إلى ما أنعم
الله عليه، فلم يجد هديتهم تساوي شيئا أمامه.
وهذا العقل الذي يفرح
به صاحبه عقل مذموم، وصاحبه مخادع قبل أن يكون مخادعا، فهو يعامل بعكس مقصوده، قال
تعالى عن المنافقين: ﴿
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ
وَمَا يَشْعُرُونَ﴾(البقرة:9)، وقال تعالى
:﴿ إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ (النساء: 142)
و العلم كالعقل
ليس خيرا مطلقا ولا شرا مطلقا، بل هو بحسب صاحبه، ولذلك ورد في القرآن بصيغتي
المدح والذم، ونهي عن الفرح به لذاته وتعظيمه لذاته لما ينجر عن ذلك الفرح
والإعجاب من مخاطر ربما لم يدرك عصر من العصور منها ما أدركه هذا العصر، قال تعالى
ضاربا المثل بمن قبلنا: ﴿ وَاتْلُ
عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ
الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ﴾(الأعراف:175)، فهذا العلم الذي جر صاحبه إلى الغواية بسبب
فرحه به وخلوده إلى الأرض كما عقب تعالى على ذلك بقوله:﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا
وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ
الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ
مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ
لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾(الأعراف:176)