ولعل في تخصيص
موسى ويحي ـ عليهما السلام ـ بالأمر بأخذ الكتاب بقوة وشدة وحزم يشير إلى أسلوب
تعامل بني إسرائيل مع أنبيائهم وأوامر ربهم، وهو أسلوب الاستهزاء والهزل والتلاعب
ومحاولة الاحتيال على أحكام الله، وهو أسلوب صادر عن تصورهم لله الذي يمتزج فيه
الدين بالعنصرية والذهب والأهواء، ولذلك وردت الآيات الكثيرة تخبر عن أمر الله
تعالى لهم بالأخذ بالكتاب بقوة حتى أن الجبل رفع فوقهم كأنه ظلة، قال تعالى :﴿ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ
كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ
بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأعراف:171)
ولكنهم مع ذلك لم
يرتدعوا ولم ينزجروا لأن شراب العجل الذي يسري في قلوبهم ويغذيهم بحب الذهب يحول
بينهم وبين الطاعة ولو أرادوا الطاعة،قال تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ
وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا
قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ
بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنتُمْ
مُؤْمِنِينَ﴾(البقرة:93)
وليس أمر أخذ
الكتاب بقوة خاصا ببني إسرائيل بل هو عام في كل نفس استهانت بأمر ربها وتسلطت
نفسها على عقلها، وتلاعبت أهواؤها بحقيقتها، لأن الجذور التي تنمو من استحلاء
المعاصي تحتاج إلى طاقة كبيرة لتقلعها، ولهذا وضع الإصر على بني إسرائيل وشدد
عليهم رحمة بهم، وإصلاحا لهم، كما شدد