وذلك الإدراك، لأن
التعابير لا يمكن أن تفي بتصوير هذه الحقيقة العظمى التي كانوا ينازلونها
الحرب،قال تعالى :﴿ وَلَوْ يَرَى
الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا
وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَاب﴾ِ(البقرة:165)
وبعد أن يزرع
القرآن الكريم في النفس هذه الحقائق، ويملؤها بالتواضع يعود ليؤسس فيها القوة
الحقيقية، القوة التي هي نعمة من الله، فيفرح بها على أساس ذلك، قال تعالى مانا
على عباده عند بيانه لأطوار خلقهم:﴿ اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ
جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ
الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾(الروم:54)
فهذه القوى التي
تنص عليها الآية نعم من الله، وحق النعم أن تشكر ويحافظ عليها ولا يعصى بها ربها
ولا يتسلط بها على الغير، أو بالاصطلاح القرآني أن يحافظ عليها باعتبارها أمانة
ووديعة من الله، قال تعالى في الآية التي شملت كل أنواع ودائع فضل الله :﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا
وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ (الأحزاب:72)
ولهذا من كمال
المؤمن أن يجمع بين القوة والأمانة ليستعين بقوته على أداء الأمانة، ويستعين
بأمانته على حفظ القوة، قال تعالى :﴿ قَالَتْ
إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ
الْأَمِينُ﴾ (القصص:26)
فالقوة وحدها بدون
أمانة ظلم وعتو، كما أن القوة بدون رأي وحكمة عجز