والجزاء السابع،
وهو خاتمة كل هذه الجوائز الربانية هو الفلاح المستقر المستمر الذي لا تقرره لجان
بشرية يغلب عليها الهوى، وتتحكم فيها الأمزجة، وتكثر حوله الطعون، بل هو نجاح
بتقرير رباني يحمل موشور السعادة الدائمة الخالدة.
ويضرب القرآن
الكريم نموذجا بشريا عن المؤمن الذي لم يصله نفخ الشيطان، ولم يتأثر لصداه، وهو
إبراهيم عليه السلام، فينقل موقفه مع أبيه[1]،
[1]
المراد
به في الآيات الكريمة ـ كما يذكر أكثر المفسرين ـ عمه، لأن الأب في اللغة العربية
يطلق على العم أيضا، ومن الأدلة على ذلك من القرآن الكريم أن إبراهيم عليه السلام
وَعَد أباه أنْ يستغفرَ له ، وبالفعل وَفيَ بِوعده كما قال تعالى: ﴿ رَبِّ
هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي
الْآخِرِينَ وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيم وَاغْفِرْ لِأَبِي
إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ﴾، لكن سُرعان ما رجع عمّا كان قد رجا في
أبيه خيراً ، ومِن ثَمّ تبرّأ منه حين لم يرجُ فيه الصلاح ويئِس منه ، قال تعالى :
﴿ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ
وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ
مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾
هذا في بداية أمره قبل مغادرة بلادِه وقومِه قاصداً
البلاد المقدّسة ، والدليل على ذلك أنّه يبدأ الدعاء بقوله : ﴿ رَبِّ هَبْ
لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾
وبعد مغادرتِه إلى الأرض المقدّسة ، نراه يبتهل إلى
الله أن يرزقَه أولاداً صالحين . ﴿ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ
الْأَسْفَلِينَ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي
مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾، وهنا يُجيب الله دعاءه : ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ
وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ وَوَهَبْنَا
لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ ﴾
وقد علق العلاّمة الطباطبائي على هذه الشواهد القرآنية
بقوله: (والآية بما لها من السياق والقرائن المُحتفّة بها خير
شاهدةٍ على أنّ والدَهُ الذي دعا له واستغفر له هنا غير أبيه آزر الذي تبرّأ منه
في سالف الأيّام ، فقد تحصّل أنّ آزر الذي جاء ذِكره في تلك الآيات لم يكنْ والد
إبراهيم ولا أباه الحقيقي ، وإنّما صحّ إطلاق الأب عليه لوجود عناوين تسوّغ اللغة
مثل هذا الإطلاق كالجدّ للأمّ والعمّ ، وزوج الأُمّ ، وكلّ مَن يتولّى شأن صغير ،
وكذا كلّ كبير مُطاع ، ونحو ذلك ، وليس مثل هذا التوسّع في إطلاق لفظ الأب مختصّاً
بلغة العرب ، بل هو جارٍ في سائر اللغات أيضاً) (انظر: تفسير
الميزان : 7 / 168 ـ 171)