وكل هذه الآيات
تطفح بالبشر والفرح والرحمة، لتخبر أنها المقصد الحقيقي من إرسال الرياح، فهي التي
يحيا بها موات الأرض، ويثمر الزرع وتمتلئ خزائن السحاب، ويرتوي الخلق بمائها
الطهور.
ولعله من أسرار
القرآن في اختيار الألفاظ أن عامة المواضع التي ذكر الله تعالى فيها إرسال الريح
بلفظ الواحد فعبارة عن العذاب، وكل موضع ذكر فيه بلفظ الجمع فعبارة عن الرحمة،
ليخبر أن رياح الرحمة كثيرة، وأن ريح العذاب واحدة رحمة من الله، لأن رحمته سبقت
غضبه.
بل إن الرياح
القواصف والأعاصير والريح العقيم والريح الصرصر العاتية ماهي كذلك إلا رياح رحمة
بما تلقيه في صدور المؤمنين من خوف من الله ينزع حجاب الغفلة والعادة، ويعيد لله
في أذهانهم قدرته وتصرفه المطلق في الكون، ولولا الريح العقيم ما عرف فضل الله
بالرياح اللواقح.
ولهذا يأتي
التحذير من مكر الله بالتهديد بأمثال تلك الرياح، قال تعالى :﴿ أَمْ أَمِنتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ
تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنْ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ
بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾(الإسراء:69)
والريح القاصفة هي
التي تكسر الصواري وتغرق المراكب، وهي من أنواع الرياح التي تدرس الآن في علوم
البحار.
ويصور مشهد آخر
الريح، وقد نفخت فيها الحياة، وتحولت إلى جبار يقصم ظهر المشرك ويهوي به في مكان
سحيق، كالمكان الذي يسكن فيه عقله