زيادة على هذا، فإن
الانشغال برؤية الطاعة قد يصحبه الإدلال على الله بها، وهو من أكبر الموبقات،
بخلاف المعية التي يصحبها الانكسار، ولهذا ورد في الحديث الشريف:( لو لم تكونوا
تذنبون لخفت عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب العجب) [1]، وفي الأثر الإلهي:( لولا أن الذنب خير لعبدي المؤمن
من العجب ما خليت بين عبدي المؤمن وبين الذنب)، وقد قال بعض الصالحين: إن العبد
ليعمل الخطيئة فيدخل بها الجنة، ويعمل الحسنة فيدخل بها النار، قالوا: كيف؟ قال:
يعمل الخطيئة فلا تزال نصب عينيه، إذا ذكرها ندم واستقال وتضرع إلى الله وبادر إلى
محوها وانكسر وذل لربه وزال عنه عجبه وكبره، ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه
يراها ويمن بها ويعتد بها ويتكبر بها حتى يدخل النار.
زيادة على هذا، فإن
حسن التعامل مع المعصية يزيد في مناعته منها ويدفعه إلى المزيد من التيقظ والحذر من
مصايد العدو ومكايده، ويعرفه من أين يدخل عليه، وبماذا يحذر منه، كالطبيب الذى ذاق
المرض والدواء.
* * *
قد يقال بعد هذا:
فما الرحمة التي أتنعم بها وأنا مبتلى بشيطان يضع خرطومه على صدري لا يكف عن بث
الوساوس في قلبي؟
وكيف أتنعم وشياطين
الإنس والجن تترصد لي؟
والجواب عن ارتباط
هذا بسر العدل ذكرناه في محله من الفصل الثاني، وقد ذكرنا في الفصل الثالث أَن خلق
الأضداد وترتيب آثارها عليها هو ما تقتضيه حكمة الله تعالى وأسماؤه الحسنى، وأن
الكمال في هذا الترتيب.
[1] رواه الخرائطي في مساوي الاخلاق، والحاكم في
تاريخه وأبو نعيم والديلمي.