أما ارتباط هذا
المعنى بالرحمة، فإن سمو الإنسان وكماله وتدرجه في معارج الرحلة إلى الله مربتط
بمجاهدته هذه الشياطين، فلذلك ـ كما يقول النورسي ـ ( لا يسيغ لـمن استسلـم
للشيطان - باختياره وكسبه الـخاطىء - أن يقول: ان خلق الشيطان شرٌ، اذ قد عمل الشر
لنفسه بكسبه الذاتي) [1]
فالشيطان ليس له من
دور إلا الكشف عن الخبايا الآثمة للنفس، ولذلك يبرأ يوم القيامة من أن يكون له أي
سلطان على سلوك الإنسان، بل إن سلوك الإنسان كان نابعا من طبيعته واختياره، قال
تعالى:﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ
وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ
عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا
تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ
بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ
الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (ابراهيم:22)
والشياطين في هذا
تشبه تلك المحاليل الكاشفة التي توضع على مواد معينة للتعرف على مكوناتها، فإن
انفعال تلك المواد هو الذي يحدد طبيعتها، أما المحاليل، فليس لها من دور إلا الكشف
عن تلك المواد.
ولهذا أخبر تعالى
الشيطان بأنه ليس له من سلطان على عباده المخلصين، قال تعالى:﴿ إِنَّ
عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ
الْغَاوِينَ﴾ (الحجر:42)، بل استثنى الشيطان نفسه هؤلاء بقوله:﴿
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ (الحجر:40)
وذلك لأن عباد الله
المخلصين، هم الذين تخلصوا من كل الشوائب التي تتفاعل معها وساوس الشيطان، فلذلك
لا يصدر منهم إلا الخير.