وليس من المؤثرات
الخارجية ـ كما قد يتوهم ـ أن الله تعالى يملي عليه الشر، ويزينه له، فذلك محال
على الله تعالى.. أما النصوص التي قد توهم ذلك، فسنتحدث عنها في محلها من الفصل
المتعلق بعدالة الهداية.
وقد تحدث العلماء هنا
على الجمع بين قوله تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (التغابن:2) وبين خلق الإنسان على
الفطرة الأصلية، وكأن هناك تناقضا بين الأمرين.
ونرى أن الجمع بينهما
لا يحتاج إلى كل ذلك التكلف، فالآية الكريمة لا تخبر عن كون الفطرة الأصلية للكافر
فطرة كافرة بدليل النصوص السابقة، وإنما تخبر عن المواقف التي يتخذها الإنسان
ليختار على أساسها طريق الكفر أو طريق الإيمان.
ومثل هذا ما ورد في
الحديث الشريف من قوله a:( كل الناس يغدو فبائع
نفسه فمعتقها أو موبقها)[1]، فهذه الأحوال التي يختلف بموجيها الغادون إنما هي
نتيجة لسلوكاتهم لا لأمر فرض عليهم.
* * *
بل إن الله تعالى ـ رحمة بعباده، وتغليبا لأوصاف الرحمة السابقة لأوصاف الغضب ـ
أودع في فطرهم الأصلية توحيده ومعرفته، بل نبههم إلى المؤثرات التي يمكن أن تبعدهم
عن فطرتهم الأصلية، وإلى ذلك كله الإشارة بقوله تعالى:﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ
مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ (لأعراف:172) والعذر
الثاني الذي نبهوا إليه هو ما ورد في قوله تعالى:﴿ أَوْ تَقُولُوا
إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ
أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾