والحق لا يمكن أن يعرف
إلا بالنظر من جميع الزوايا ولجميع الحقائق، فالحقائق من الدقة والكمال والتوازن
والتناسق ما يحيل تنافر بعضها عن بعض.
* * *
وقد نتج عن الانحرافات
السابقة من تغليب التوحيد على العدل اعتقاد جبر الإنسان على أفعاله، فهو كالسجين
الذي لا حرية له، بل إن السجين عند هؤلاء أكثر حرية من الإنسان.
وهؤلاء الذين تصوروا
أنهم غلبوا التوحيد ـ معرفة بالله ـ شوهوا التوحيد بما تصوروه من ظلمه لعباده
وجوره عليهم.
ولذلك ورث هذا القول من
تجرأ على الله يحتج عليه بأنه سبب كل البلايا، وأصل كل فساد.
وقد ذكر ابن القيم
وغيره الكثير من المتجرئين على الله بسبب عدم إدراكهم لحقيقة العدالة الإلهية [1]:
ومما ذكروه عن بعضهم
قوله - وقد عوتب على ارتكابه معاصى الله ـ:( إن كنت عاصياً لأمره فأنا مطيع
لإرادته)
وجرى عند بعض هؤلاء ذكر
إبليس وإبائه وامتناعه من السجود لآدم، فأخذ الجماعة يلعنونه ويذمونه، فقال:( إلى
متى هذا اللوم؟)، ولو خلى لسجد، ولكن منع، وأخذ يقيم عذره فقال بعض الحاضرين:(
تباً لك سائر اليوم، أتذب عن الشيطان وتلوم الرحمن؟)
وقد وقع بعض أدعياء
المعرفة بالله في هذا المنزلق الخطير، فتصوروا أن من مقتضيات المعرفة بالله جحود
عدالة الله وحكمته في خلقه، فتعرفوا إلى الله من زاوية محددة أملتها عليهم
مواجيدهم، وغفلوا عن الزوايا الكثيرة التي تمليها عليهم النصوص.