وقد ذكر مرعي بن يوسف
الحنبلي المقدسي دوافع تأليفه لرسالة ( رفع الشبهة والغرر عمن يحتج على فعل
المعاصي بالقدر) فقال:( إن بعض دراويش متصوفة الفقراء الذين وقعوا في الإباحة
والآثام، وطووا بساط الشرع، ورفعوا قواعد الأحكام، وسووا بعقولهم بين الحلال
والحرام كان لا يصوم ولا يصلي منهمكا على المحرمات كالخمور ونحوها من اللذات،
فاعترض عليه في ذلك،فأجاب بما مضمونه أنه قد رفعت الأقلام وجفت الصحف، وأن هذا
مقدر علي، وأنا لا أقدر على رفع ما قدره الله علي)[1]
وتصور بعضهم أن العارف
لا تضره الذنوب كما تضر الجاهل، وربما سول له الشيطان بأن ذنوبه خير من طاعات
الجهال.
مع أن النصوص تخبر بأنه
يحتمل من الجاهل مالا يحتمل من العارف، بل إذا عوقب الجاهل ضعفا عوقب العارف
ضعفين، ولهذا قال تعالى في نساء النبي:﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً﴾ (الأحزاب:30)
وعادة مثل هؤلاء كعادة
من غلبت عليه الأهواء، فهو لا يستجيب للمخالف بسبب، وهو أن المتكلم لم يرق درجات
الكمال، أو أن علم الأوراق حجبه عن علم الأذواق، قال ابن القيم بعد الإنكار على
مثل هذه الأقوال:( فإن قيل هذا كلام بلسان الحال بالشرع، ولو نطقت بلسان الحقيقة
لعذرت الخليقة، إذ هم صائرون إلى مشيئة الله فيهم وما قضاه وقدره عليهم ولا بد،
فهم مجار لأقداره، وسهامها نافذة فيهم، وهم أغراض لسهام الأقدار لا تخطئهم ألبتة،ولكن
من غلب عليه مشاهدة الحكم الشرعي لم يمكنه طلب العذر لهم، ومن غلب عليه مشاهدة
الحكم الكوني عذرهم فأنت معذور في الإنكار علينا بحقيقة الشرع، ونحن معذورون في
طلب العذر بحقيقة الحكم وكلانا مصيب)[2]
[1] رفع الشبهة والغرر عمن يحتج على فعل المعاصي
بالقدر: 15.