وبالجملة فينبغي أن
تعلم أنه لم يخلق شيء في موضع إلا لأنه متعين له ولو تيامن عنه أو تياسر أو تسفل
أو تعلى لكان ناقصا أو باطلا أو قبيحا أو خارجا عن المتناسب كريها في المنظر وكما
أن الأنف خلق على وسط الوجه ولو خلق على الجبهة أو على الخد لتطرق نقصان إلى
فوائده)
وهذا المنهج الذي
ذكره الغزالي.. وهو قبل ذلك منهج القرآن في التعريف بالله [1].. هو الذي نحاول أن نستعمله هنا للاستدلال العقلي به
على عدل الله.
وهو استدلال تجمع
عليه العقول.. فنحن في جميع أحكامنا على الأشياء أو الأشخاص ننطلق من الثمرات..
فالثمرة تدل على من غارسها.
ولهذا.. فإن النظر
في الكون.. وفي الحياة.. وفي الإنسان.. يدلنا على أعماق كبيرة من عدالة الله يقصر
اللسان عن التعبير عنها.
وسنقتبس من مشكاة
العلم الحديث الذي كشفه الله للبشرية لتتعرف عليه بعض هذه الدلائل، ونحسبها كافية
للعقل المسالم.. أما العقل المجادل، فلا يمكن أن يقتنع بشيء.
فالعلم الحديث[2] ينص ـ بالأدلة القطعية التي لا يمكن تخلفها ـ على
أنه لو كانت قشرة الأرض أسمك مما هي بمقدار بضعة أقدام، لامتص ثاني أكسيد الكربون
الأوكسجين، ولما أمكن وجود حياة النبات.
[1] فالله تعالى استدل ـ مثلا ـ على رحمته بآثارها،
حيث قال:﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي
الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (الروم:50)
ونحسب أن الغزالي استنبط كلامه في تحقيق معنى العدل من قوله تعالى في
تحقيق معنى الرحمة:﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ
اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ
يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ﴾ (القصص:71)
[2] انظر: كتاب العلم يدعو إلى
الإيمان أ. كريسي مورسون رئيس أكاديمية العلوم في واشنطن