وانطلاقا من هذا
المنهج العلمي الذي وصفه للتعرف من خلاله على كمال العدل الإلهي، أخذ يطبقه من
خلال استقراء المجردات ودلالتها على العدل الإلهي، فقال:( وقد خلق أقسام الموجودات
جسمانيها وروحانيها كاملها وناقصها، وأعطى كل شيء خلقه، وهو بذلك جواد، ورتبها في
مواضعها اللائقة بها وهو بذلك عدل، فمن الأجسام العظام في العالم الأرض والماء
والهواء والسموات والكواكب، وقد خلقها ورتبها فوضع الأرض في أسفل السافلين، وجعل
الماء فوقها، والهواء فوق الماء والسموات فوق الهواء، ولو عكس هذا الترتيب لبطل
النظام)
ثم قرب هذه المعاني
العميقة بذكره لبعض مظاهر خلق الله، والتي رسمت فيها حقائق عدل الله، فقال:( ولعل
شرح وجه استحقاق هذا الترتيب في العدل والنظام مما يصعب على أكثر الأفهام فلننزل
إلى درجة العوام، ونقول: لينظر الإنسان إلى بدنه، فإنه مركب من أعضاء مختلفة، كما
أن العالم مركب من أجسام مختلفة، فأول اختلافه أنه ركبه من العظم واللحم والجلد
وجعل العظم عمادا مستبطنا واللحم صوانا له مكتنفا إياه والجلد صوانا للحم فلو عكس
هذا الترتيب وأظهر ما أبطن لبطل النظام، وإن خفي عليك هذا فقد خلق للإنسان أعضاء
مختلفة مثل اليد والرجل والعين والأنف والأذن فهو بخلق هذه الأعضاء جواد وبوضعها
مواضعها الخاصة عدل لأنه وضع العين في أولى المواضع بها من البدن إذ لو خلقها على
القفا أو على الرجل أو على اليد أو على قمة الرأس لم يخف ما يتطرق إليه من النقصان
والتعرض للآفات، وكذلك علق اليدين من المنكبين، ولو علقهما من الرأس أو من الحقو
أو من الركبتين لم يخف ما يتولد منه من الخلل وكذلك وضع جميع الحواس في الرأس
فإنها جواسيس لتكون مشرفة على جميع البدن فلو وضعها في الرجل اختل نظامها قطعا
وشرح ذلك في كل عضو يطول