إبراهيم
u كانت رؤية بالله، لا بنفسه،
أي أنه صار باقيا بالله بعد أن فنى عن نفسه.
ويحكي
القرآن الكريم بعض ما أريه إبراهيم u وما قرأه، فقال تعالى:﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ
هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ (الأنعام:76)، ثم رأى القمر بازعا، ﴿ قالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا
أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ
الضَّالِّينَ﴾ (الأنعام: 77))، ثم رأى الشمس بازغة ﴿ قَالَ هَذَا
رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا
تُشْرِكُونَ﴾ (الأنعام: 78)
والكثير
قد يتصور أن ما ذكره إبراهيم u هو من باب التمثيل والاحتيال لإرشاد قومه، ونحن لا ننكر هذا، ولا
ننكر كذلك أن الله تعالى
يصف لنا الطريق الذي سلكه إبراهيم u للوصول إلى الله، لا إلى
اعتقاد وجوده أو تفرده بالألوهية فحسب، وإنما إلى معان أخرى أعمق وأجل.
ولا يرد على ذلك ما ذكره من ربوبية الأشياء، فالربوبية غير الألوهية،
وقد قال تعالى حاكيا عن يوسف u:﴿ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا
اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي
السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ (يوسف:42)، ولهذا لم يقل إبراهيم u:( هذا إلهي)، بل قال:﴿
هَذَا رَبِّي ﴾، فلعل مراده هنا هو ما اعتقده من منافع الأشياء، فلما أفلت
تبين له عجزها، وأن الله تعالى هو المتفرد بالنفع والضر[1].
[1] وقد أول
بعضهم ذلك، فذكر أن المراد منه درجات ما كان يظهر لإبراهيم الخليل u في ترقيه،
ففسر الكوكب بأنه وصل إلى حجاب من حجب النور فعبر عنه بالكوكب، ولم يرد هذه
الأجسام المضيئة، فإن آحاد العوام لا يخفى عليهم أن الربوبية لا تليق بالأجسام بل
يدركون ذلك بأوائل نظرهم فما لا يضلل العوام لا يضلل الخليل u، انظر:
الإحياء:1/337، وهو تأويل بعيد حكاه الغزالي عن بعضهم، فلا يصح أن نعدل بألفاظ
القرآن الكريم عن دلالاتها الظاهرة، إلا أن يكون ذلك من باب الإشارة، فلا حرج فيه
بشرط الإقرار بظاهر المعنى.