أَهْلَكَ
مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ
جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ (القصص: 78) فهل
علمه من القصور ما جعله لا يمتد إلى معرفة مصاير القرى الهالكة، ليرى أسباب
هلاكها؟
ومثل
قارون من أنعم الله عليه بنعمة العافية بعد البلاء، فينسى المبتلي والمعافي، لا
يذكر إلا نفسه، قال تعالى:﴿
فَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ
نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ (الزمر:49)
وهكذا
الإنسان الثامل بخمرة العلم الحديث، والساجد أمام وثن العقل يتصور أنه يصارع
الطبيعة، ويغلبها غلبة الأبطال.
وفي
مقابل ذلك نجد القرآن الكريم يصور النعم المستسخرة بصورة الهدايا المقدمة على
أطباق، ومعها ختم المهدي، فالله تعالى صور ـ مثلا ـ الأرض بصورة المركب الذلول،
المحتوية على كل المنافع، فقال تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ
ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ
النُّشُورُ﴾ (الملك:15)
فالآية
تصف الأرض بكونها ذلولا، وهذا الوصف يطلق عادة على الدابة، ليصور في الأذهان ويغرس
في العقول والقلوب ( أن هذه الأرض التي نراها ثابتة مستقرة ساكنة، هي دابة
متحركة.. بل رامحة راكضة مهطعة[1]، وهي في الوقت
[1] فالأرض
تدور حول نفسها بسرعة ألف ميل في الساعة، ثم تدور مع هذا حول الشمس بسرعة حوالي
خمسة وستين ألف ميل في الساعة. ثم تركض هي والشمس والمجموعة الشمسية كلها بمعدل
عشرين ألف ميل في الساعة، مبتعدة نحو برج الجبار في السماء.. ومع هذا الركض كله
يبقى الإنسان على ظهرها آمنا مستريحا مطمئنا معافى لا تتمزق أوصاله، ولا تتناثر
أشلاؤه، بل لا يرتج مخه ولا يدوخ، ولا يقع مرة عن ظهر هذه الدابة الذلول.. انظر ما
يشير إلى هذه الحركات من القرآن الكريم في رسالة (معجزات علمية)