قال: هي التي أشار إليها قوله تعالى:﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا
يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ (فاطر:37)، فمن الأقوال في تفسيرها أن
المراد بالنذر الأمراض[1].
قلت: لقد ورد في هذا حديث لا أدري مدى صحته، هو: (الحمى
رائد الموت، وسجن الله في الأرض)[2]
قال: وقد ورد في الآثار ما يدل على هذا المعنى أيضا، فقد
روي أن بعض الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ قال لملك الموت u: أمالك رسول تقدمه بين يديك
ليكون الناس على حذر منك؟ قال: نعم، لي والله رسل كثيرة من الإعلال والأمراض
والشيب والهموم وتغير السمع والبصر، فإذا لم يتذكر من نزل به ولم يتب، فإذا قبضته
ناديته: ألم أقدم إليك رسولاً بعد رسول ونذيراً بعد نذير؟ فأنا الرسول الذي ليس
بعدي رسول، وأنا النذير الذي ليس بعدي نذير، فما من يوم تطلع فيه شمس ولا تغرب إلا
وملك الموت ينادي: يا أبناء الأربعين، هذا وقت أخذ الزاد، أذهانكم حاضرة وأعضاؤكم
قوية شداد. يا أبناء الخمسين قد دنا وقت الأخذ
[1] ومن الأقوال في تفسير
الآية: أن النذير هو القرآن، وقيل الرسول؛ وقال ابن عباس: هو الشيب، وقيل: النذير
الحمى، وقيل: موت الأهل والأقارب، وقيل: كمال العقل.
وكل هذه الأقوال صحيحة، ولا
تعارض بينها، فالشيب نذير، لأنه يأتي في سن الاكتهال، قال الشاعر:
رأيت الشيب من نذر المنايا لصاحبه وحسبك من نذير
وأما موت الأهل والأقارب
والأصحاب والإخوان فإنذار بالرحيل في كل وقت وأوان، قال الشاعر:
وأراك تحملهم ولست تردهم فكأنني بك قد حملت فلم ترد
وأما كمال العقل فبه تعرف
حقائق الأمور، فالعاقل يعمل لآخرته ويرغب فيما عند ربه؛ فهو نذير.
وأما محمد r فبعثه الله بشيرا ونذيرا
إلى عباده قطعا لحججهم؛ قال الله تعالى:)
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ((النساء:165انظر: القرطبي:
14/354.