والحصاد، با أبناء الستين نسيتم العقاب وغفلتم عن رد
الجواب فما لكم من نصير:﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ
مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ (فاطر:37))[1]
قلت: فما وجه كون التذكير بهذا نعمة؟
قال: إذا علم المؤمن بقرب أجله سارع إلى المبادرة، قبل أن
يفوت الأوان.. وليس ذلك فقط، بل إن البلاء في صوره المؤلمة يجعل صاحبه يقلع عما هو
فيه من الغي، فلا يلقى الله وهو في سكرات غيه.
قلت: لقد ذكرتني ببديع الزمان حين قال..
ضحك، وقال مقاطعا لي: لا تحتاج لأن تذكره، فهو طبيب بصير
من أطباء هذا المستشفى، فأصخ بصيرتك لتسمع إليه.
قال بديع الزمان: ثم إن الشيخوخة والمرض والبلاء، وما يحدث من وفيات
هنا وهناك، تقطّر ذلك الألم المرير إلى نفس كل إنسان، وتُنذره دوماً بمصيره
المحتوم، فلا جرم أن أولئك الضالين وأرباب السفاهة والمجون سيتأجج في قلوبهم
جحيمٌ معنوي، يعذبهم بلظاه حتى لو تمتعوا بمباهج الدنيا ولذائذها، بيد أن الغفلة
وحدها هي التي تحول دون استشعارهم ذلك العذاب الأليم[2].
قلت: الله !.. ما أدق بصيرته ! وما أحد نظره !
قال: أصخ سمعك ولا تقاطعه.
أصخت سمعي، فإذا به يقول، وكأنه يخاطب مريضا متألما يذكره
بالكنوز المخبأة في طيات المرض: أيها المسكين الشاكي من المرض! إن المرض يغدو كنزاً عظيماً لبعض
الناس، وهدية إلهية ثمينة لهم.. وباستطاعة كل مريض أن يتصور مرضه من هذا النوع،
حيث أن
[1] ذكره ابن الجوزي في
كتاب:(روضة المشتاق والطريق إلى
الملك الخلاق)