وفي قوله تعالى:﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
تنبيه إلى أن العلة في ذلك ليس الانتقام وإنما التأديب، فما:﴿ مَا يَفْعَلُ
اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً
عَلِيماً﴾ (النساء:147)
قلت: لقد ذكرتني بما يقول أهل الأدب في هذا، فقد قال بعضهم:
(المحن آداب الله عز وجل لخلقه، وتأديب الله بفتح القلوب، والأسماع، والأبصار)
وكتب آخر إلى صديق له في محنة لحقته: (إن الله تعالى
ليمتحن العبد، ليكثر التواضع له، والاستعانة به، ويجدد الشكر على ما يوليه من
كفايته، ويأخذ بيده في شدته، لن دوام النعم والعافية، يبطران الإنسان، حتى يعجب
بنفسه، ويعدل عن ذكر ربه، وقد قال الشاعر:
لا يترك اللّه عبداً ليس
يذكره ممن يؤدّبه أو من يؤنّبه
أو نعمة تقتضي شكراً يدوم له
أو نقمة حين ينسى الشكر تنكبه
قال: فالبلاء مدرسة من مدارس الله لتأديب عباده.. ألا تدربون
جنودكم بالجوع والعطش؟
قلت: بلى.. بل لا يصح أن يحمل جندي اسم الجندية إلا إذا
جاع وعطش ونزلت به كل المصائب.
قال: لم؟
قلت: ليتمرن، وتمتلئ نفسه صبرا، وقلبه شجاعة.
قال: فكذلك رحمة الله اقتضت أن يذيقكم بعض البلاء ليتربى
في نفوسكم ما يعجز الترف على تربيته.