قال: ولهذا ورد في النصوص الإخبار بابتلاء الله لعباده
بسبب الذنوب التي يقعون فيها، وهو ابتلاء يشبه تماما تقريع المعلم لتلميذه رادعا
له ومؤديا، وقد قال تعالى:﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ (الشورى:30)، فالآية الكريمة تبيّن
بوضوح أن المصائب التي تصيب الإنسان هي نوع من التحذير والعقاب الإلهي إلا ما كان
من البلاء المتعلق بالمقربين من الأنبياء والصديقين، فله نواح أخرى غير هذا.
قلت: لقد روي أنه لما نزلت هذه الآية قال النبي a: (ما من اختلاج عرق ولا خدش
عود ولا نكبة حجر إلا بذنب ولما يعفو الله عنه أكثر)[1]
قلت: فما وجه كون التأديب نعمة؟
قال: لقد كانت ملاحظة الصديقين لهذا سبب سرور عظيم، فقد
لحظوا عناية الله بهم وتأديبه لهم، وغابوا بهما عن ألم الأنين الذي حل بهم.
ولهذا قال على بن أبي طالب: (ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب
الله حدثنا بها النبي a:﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ
وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ (الشورى:30)، ثم قال: (يا علي ما أصابكم من مرض
أوعقوبة أوبلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم، والله أكرم من أن يثني عليكم العقوبة
في الآخرة وما عفا عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعاقب به بعد عفوه)[2]
قلت: إني أرى البلاء لا ينزل على الأفراد فقط، بل هو
يعدوها إلى المجتمعات، فهل هو من التأديب؟
قال: أجل.. فإن الله برحمته ولطفه وحكمته يرسل تنبيهاته
للمجتمعات حتى تعود إلى ربها وتتأدب بين يديه، ويشير إلى هذا المعنى قوله تعالى:﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ
الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الروم:41)، وهذا يدل على