رأيت رجلين في القاعة التي
تعالج بالقرآن الكريم واقفين أمام ملأ من الناس، فسألت المعلم عنهما، فقال: هذان
الرجلان يمثلان النوعان الأساسيان للعلاج بالقرآن الكريم، أما أحدهما، فيمثل جانب
معانيه، وتأثيراتها التي نعرفها بالحس، وأما الآخر، فيمثل جانب ألفاظه ومعانيه،
وتأثيراتها التي تأتينا من الغيب.
قصدنا الرجل الأول، وقد كان
على ما يبدو عالما جليلا، قد تشرب معاني القرآن الكريم وانصبغ بها، فسمعناه يقول:
إن الأدوية القرآنية التي جعلها الله شفاء لأمراض الصدور.. لا يؤتي أكلها، ولا
ينجع التداوي بها إلا لمن تشرب معاني القرآن الكريم وفهمها حق فهمها.
ألم تسمعوا الله تعالى، وهو
يقول:﴿ وَنُنَزِّلُ
مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ
الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً﴾ (الاسراء:82)، فقد اعتبر القرآن الكريم شفاء للمؤمنين، ولكنه في
نفس الوقت لا يزيد الظالمين إلا خسارا.
ألم
تسمعوا قوله تعالى:﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا
فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً
وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ
عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ (فصلت:44)، فقد أخبر تعالى أنه هدى وشفاء
للمؤمنين، وأنه ليس سوى بلاء على غيرهم.
ولهذا.. فإن الذي لا يعير القرآن الكريم
اهتمامه، ولا يتأدب معه فستنقلب وبالا عليه، فهو شفاء لمن عرف كيف يستخدمه، ووبال
على من استعمله في غير ما أنزل له.
قال أحدهم: إنه في ذلك يشبه كل دواء استعمل في غير محله،
فإن ضرره أكثر من نفعه.
قال: أجل.. ولهذا، فإن تأمل الآيات التي ورد الاستشفاء بها
تدل على هذا المعنى..
تركنا الرجل الأول،
وانتقلنا إلى الثاني، وهو المكلف ببيان التأثير الغيبي للعلاج بالقرآن