لا أقدر عليه لأجل الناس، فالتفت إلى أصحابه وقال: لا ينال
عبد حقيقة من هذا الأمر حتى يكون بأحد وصفين؛ عبد تسقط الناس من عينه فلا يرى في
الدنيا إلا خالقه، وأن أحداً لا يقدر على أن يضره ولا ينفعه. وعبد سقطت نفسه عن
قلبه فلا يبالي بأي حال يرونه.
وقيل لآخر: إن قوماً يحضرون مجلسك ليس بغيتهم إلا تتبع
سقطات كلامك وتعنيتك بالسؤال؛ فتبسم وقال للقائل: (هوّن على نفسك، فإني حدثت نفسي
بسكنى الجنان ومجاورة الرحمن فطمعت، وما حدثت نفسي بالسلامة من الناس لأني قد علمت
أن خالقهم ورازقهم ومحيـيهم ومميتهم لم يسلم منهم)
وكيف لا يكون هذا منطق المؤمنين إرضاء لله وقناعة به
وانشغالا بطلب رضاه ومدحه عن كل رضا، وغيرهم من الرعاع يقول:
مَنْ رَاقبَ النَّاس ماتَ
غمَّا وفاز باللذة الجسورُ
***
قلت له، وقد خشيت أن يساء فهم كلام الأولياء: لكن ـ يا
معلم ـ قد يتصور قومي أن مراد الأولياء بالانشغال عن البلاء عدم مواجهته والثورة
عليه.
قال: لا.. أخطأوا في زعمهم، فإن مرادهم عدم الاستغراق في
البلاء، والغفلة عن المصالح الكثيرة التي قد يفوتها ذلك الانشغال، وأهمها ترك
الرسالة التي كلف بها الإنسان لأجل ما حصل لمطيته من عطب.
قلت: فهل تضرب لي عن ذلك مثالا أشرح لهم به مقاصد
الأولياء؟
قال: مثل ذلك مثل من كلف بمهمة خطيرة يتوقف عليها مصير حياته
جميعا، فحصل لسيارته في الطريق ما منعها من السير السليم، فماذا يفعل؟
قلت: هو بين أمرين لا ثالث لهما:
إما أن يتوقف مشتغلا بإصلاحها، منشغلا عن المهمة الخطيرة
التي كلف بها، ولو أدى