قال: لا، قال: فهل رضيت عنه؟ قال: لا، قال: فإنما مزيدك
منه الصوم والصلاة؟ قال: نعم، قال: لولا أني أستحي منك لأخبرتك بأن معاملتك خمسين
سنة مدخولة.
قلت: ما مراده؟
قال: مراده أنك لم يفتح لك باب القلب فتترقى إلى درجات
القرب بأعمال القلب، وإنما أنت في طبقات أصحاب اليمين، لأن مزيدك منه في أعمال
الجوارح[1].
قلت: هذا كلام الغزالي في الإحياء.
قال: وهو كلام كل عارف، وكل سامع ببصيرته.
التفت لأسأله عن سر ذلك، فلم أره.. تأملت ما قاله، فإذا بي
أجد هذا العلاج لا يختص بهذا الجانب فقط، بل إن له علاقة شديدة بكل ما يرتبط
بالسلوك من جوانب.
فالمنشغل عن نفسه ـ مثلا ـ بنطر الناس، أو أعرافهم، أو
رؤاهم مستعبد للناس، مملوك للمجتمع، ينصرف عن الحق علما وفهما وسلوكا وحياة بقدر
انصراف المجتمع.
ولهذا اعتبر الغزالي من (شغل نفسه بطلب رضا الناس عنه
وتحسين اعتقادهم فيه) مغرورا، لأنه (لو عرف الله حق المعرفة علم أن الخلق لا يغنون
عنه من الله شيئاً؛ وأن ضرره ونفعه بـيد الله ولا نافع ولا ضار سواه، وأن من طلب
رضا الناس ومحبتهم بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، بل رضا الناس غاية
لا تنال، فرضا الله أولى بالطلب)[2]
قال لي معلمي صائحا من أعماقي: ولهذا كان من سنن الصالحين
الانشغال بالله عن الناس، كانشغالهم به عن النفس، قال بعضهم لأخيه ناصحا: والله ما
أقول لك إلا نصحاً إنه ليس إلى السلامة من الناس من سبـيل، فانظر ماذا يصلحك
فافعله؟ونظر آخر إلى رجل من أصحابه فقال له: اعمل كذا وكذا ـ لشيء أمره به ـ فقال:
يا أستاذ