أما العلة الثانية، فعبر عنها بقوله: ( جل حكم الأزل أن
ينضاف إلى العلل)، أي أن حكم الله يتنزه ويتقدس أن يؤثر فيه أي مؤثر.
أما العلة الثالثة، فعبر عنها بقوله: (عنايته فيك لا لشيء
منك، وأين كنت حين واجهتك عنايته، وقابلتك رعايته؟ لم يكن في أزله إخلاص أعمال،
ولا وجود أحوال. بل لم يكن هناك إلا محض الإفضال، وعظيم النوال)
قال: هذا صحيح.. وهو لا يتناقض مع ما سبق ذكره، بل يكمله
ويضفي على الدعاء من المعاني الجميلة والارتباط بالله ما يرفعه إلى مستويات عالية
من العبودية.. فإن
معرفة كون عناية الله الأزلية هي السبب في كل نعمة يشعر القلب بمحبة الله واصطفائه
على الكثير من خلقه، وهو ما يجعله يعبد الله مستشعرا منته عليه، وإحسانه السابق
إليه.
قلت: أهذا هو مقصود العارفين من ذكر التوحيد بجانب الدعاء؟
قال: أجل.. الدعاء سبب شرعي معتبر، ولكن الشرع الذي شرع
الدعاء وبين تأثيره في قضاء الحوائج هو الذي بين سبق عناية الله بعبده، فيفنى
العارف في الفضل السابق، وينشغل الغافل بالسبب اللاحق.
وهم النقص:
سرنا إلى القاعة التي يعالج فيها وهم النقص، فقرأت على
بابها مكتوبا: (هذا الوهم ناشئ من سوء فهم لكلام الأولياء)[1]
[1] ذكرنا في هذه الرسائل
كثيرا أن دور العارفين التربوي هو الحديث عن الجوانب المعرفية المتعلقة بالتكاليف
الشرعية، وجمع القلوب على حقائق التوحيد، تكميلا لدور الفقهاء، لا مناقضة لهم،
لهذا تحدثوا في هذا الباب عن جانب مراعاة العبودية في الدعاء مع الاعتقاد بالمنة لله
في الدعاء أو في تحقيقه.