قال: لا.. بل إن القول بكون الدعاء أمارة قد يكون أكثر
تأثيرا في الدعوة إلى استعمال الدعاء من القول بالسببية.
قلت: كيف هذا؟
قال: لأن الداعي إذا عرف أن الدعاء علامة على استجابة الله
قد يجعله أكثر إقبالا عليه من اعتقاده سببا، فالسبب قد يقصر عن تحقيق المطلوب
بخلاف جعله علامة..
قلت: لقد ذكرتني بشاعر اقتبس هذا المعنى، فأحسن، فقد قال:
لو
لم ترد نيل ما أرجوه وأطلبه من جود كفيك ما علمتنى الطلبا
قال: وهناك ناحية أخرى أهم من هذه.
قلت: وما هي؟
قال: هي الأثر الروحي الذي يتركه اعتقاد كون الدعاء أو
العبادة أمارة لا سببا في حد ذاته.
قلت: أإلى هذه الناحية أشار العارفون عند حديثهم عن
الدعاء، فقد نبه
أبو الحسن الشاذلي إلى الاشتغال بمناجاة الله قبل الاشتغال بتحقيق المطالب، فقال:
(لا يكن همك في دعائك الظفر بقضاء حاجتك فتكون محجوباً، وليكن همك مناجاة مولاك)؟
وقال ابن عطاء الله: (لا يكن طلبك تسبباً إلى العطاء منه، فيقل فهمك
عنه. وليكن طلبك لإظهار العبودية، وقياماً بحقوق الربوبية)؟
ثم علل كون الطلب لا يكون سبباً للعطاء بثلاث علل:
أما العلة الأولى، فعبر عنها بقوله: ( كيف يكون طلبك
اللاحق سبباً في عطائه السابق؟)، فعطاء الله للعبد عطاء أزلي سابق، وهو السبب في
العطاء الحادث، والسبب لا بد من تقدمه على المسبب، وهو كما قال الواسطي: أقسام
قسمت، وأحكام أجريت، كيف تستجلب