قال: الأولياء والمقربون ربما تركوا الدعاء رضى بالقسمة الإلهية.
قلت: لقد عبر على موقفهم هذا ابن عطاء الله بقوله: (ربما دلهم الأدب
على ترك الطلب؛ اعتماداً على قسمته؛ واشتغالاً بذكره عن مسألته)
قال: فهذه الحكمة لا تدل على تركهم الدعاء مطلقا، بل يدل
على أنهم ربما تركوا الدعاء في بعض الأحيان لاشتغال بعبادة أو رضى بما قسم لهم.
قلت: ولكن مع ذلك.. أليس فيه مخالفة للنصوص، فإنها تحث على
الدعاء مطلقا؟
قال: لا.. ليس الأمر بهذه الصورة، فإن ما ذكروه في هذا
الباب صحيح لا مشاحة فيه، وقد ورد ما يؤيده من النصوص كقوله a في الحديث القدسي: (من شغله
ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)[1]
ألم نقل في بداية هذا القسم: إن الاستعانة بالله قد تتحقق
بالسؤال، وقد تتحقق بالعمل الصالح؟
قلت: بلى، وقد ضربنا المثل على ذلك بالفقير المتسول،
والمسكين المتعفف.. ولكن كيف نتعفف مع الله، وهو الذي أمرنا بالسؤال؟
قال: ليس الأمر كذلك.. بل إن الأمر لا يعدو مجرد رضا بقسمة
الله، وانشغالا بطاعته.
قلت: ولكني قد قرأت للواسطي قولا يجعل العلة غير هذا.. فقد
قال: (أخشى إن دعوت أن يقال لي: إن سألتنا مالك عندنا فقد اتهمتنا، وإن سألتنا ما
ليس لك عندنا فقد أسأت
[1] البخاري في خلق أفعال
العباد، وابن شالهين في الترغيب في الذكر، وأبو نعيم في المعرفة، والبيهقي.