دخلنا الحصن الثاني من حصون الروح.. وقد كانت تفوح منه
روائح عطرة تنشرح لها الصدور.. وتشع من جنباته أنوار تسر لها العين، ويبتهج لها
القلب.
وقد شد انتباهي في هذا الحصن وجود مرضى فيه، وهو ما لم أره
في القسم السابق، ولكنهم مرضى، لا كالمرضى.. يجلسون مسترخين ـ كما نسترخي أمام
شواطئ البحار ـ ولكن البحار التي كانوا ينظرون إليها، والتي كان نسيمها يهب عليهم
لم تكن كالبحار.. كان كل شيء ليس ككل شيء.
قلت: ما هذا القسم يا معلم؟
قال: هذا حصن الأمل.
قلت: فهل ينتظر هؤلاء المرضى دورهم في العلاج؟.. إني لا
أرى الضيق في وجوههم كما أراه في عيون المرضى الذين ينتظرون في قاعات الانتظار
عندنا.
قال: هؤلاء يتنعمون بانتظارهم.
قلت: يتنعمون!؟.. لم أعلم إلا أن الانتظار ضيق للصدر، وقتل
للوقت، فكيف يكون نعمة؟
قال: انتظاركم ضيق للصدر وقتل للوقت، أما انتظار أهل
السلام فهو عمل وعبادة وقرب.. وهو لذلك روح من روح الجنة، وعطر من عطرها.
بينما أنا كذلك سمعت صوتا جميلا مادت لجماله أجساد المرضى
المسترخين، وكان ينشد: