قال:
كل من اقتصر في أي جهد يبذله على مصالح دنياه غافلا عن مصالح أخراه فهو أعور.
قلت:
فما مصالح الآخرة التي يتوجه جهد المؤمن لتحقيقها؟
قال:
المؤمن في حياته لا يبذل جهده إلا في مصالح آخرته، فهو لا يحب الآفلين.
قلت:
ولكن لا بد له من أن يتناول الدنيا .. أليس بشرا يحتاج من المرافق ما يحتاجه
البشر؟
قال:
أجل .. وهو يتناول من دنياه لأخراه .. فلا تحجبه دنياه عن أخراه.
قلت:
لا أفهم هذا .. فالدنيا دنيا، والآخرة آخرة.
قال:
مثل ذلك مثل قوم مسافرين، وليس لهم من المطايا ما يتنقلون عليه، فراحوا يخترعون
صنوف الحيل ليقطعوا طريقهم، فهم في ظاهرهم يلهون ويلعبون، وهم في حقيقتهم يقطعون
المفاوز التي تحول بينهم وبين أوطانهم.
قلت:
لقد ذكرتني بما كنت أفعله في صغري مع رفاقي، فقد كنا نحتال على بعد المسافة
بالتسابق والعدو .. فسرعان ما نقطع طريقنا من غير تعب ولا عناء.
قال:
فهكذا يقطع أهل الآخرة مفازات الدنيا، فهم في ظاهرهم من أهل الدنيا، وفي حقيقتهم
من أهل الأخرى.
قلت:
ولكن كل الناس يعدون، ويتسابقون، فكيف أفرق بين أهل الدنيا، وأهل