ولا تحققت بالمعارف التي تنتشر عليك من مجاهدتك لنفسك.
قلت: فالتخلق مع نفسي أن أجيعها وأذيقها ألوان الموت التي ذكرها العارفون، كما قال ناطقهم:
فأوردتها ما الموت ليس بعضه وأتعبتها كي ما تكون مريحتي
ولم يبق هول دونها ما ركبته وأسهد نفسي فيه غير زكيتي
قال: ذاك مقام المجاهدة، وسترى أغراضه وحقيقته عند:(مكابدات العارفين)، ولكن هذا مقام التخلق مع النفس، وهو يستدعي التأدب معها.
قلت: وأي أدب لي مع نفسي وهي مهينتي وحجابي عن ربي.
قال: أدبك معها أن تسلمها الذي لها، فلا يمكن أن تصل إليه بدونها.
قلت: وما أسلمها؟
قال: حقوقها .. تعامل معها كما تتعامل مع الأجانب، ألست تعطيهم حقوقهم؟
قلت: بلى، ولو أني قصرت لكنت ظالما.
قال: فتقصيرك في حق نفسك ظلم لها.
قلت: قد زهدني في نفسي ما رأيت من رغبة قومي في نفوسهم، وحرصهم عليها، وتضييعهم حقوق الناس بسببها.
قال: ولكنهم ضيعوا حقوق نفوسهم مع أول تضييع لحقوق غيرهم.
قلت: كيف؟
قال: ألم يعتبر الله تعالى الغافلين المخادعين المضلين الظالمين الخائنين