كان غرضه تعريفها بالله، لأنها
انشغلت بالعرش العظيم الذي كان لها عن الله، فلذلك كان أول ما لاقاها به سليمان u هو عرشها الذي حجبها عن الله،
وعن التسليم له، قال تعالى:﴿ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا
عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾(النمل:42)
فلما قالت ذلك، وفي غمرة انبهارها
بما رأت أخبرها سليمان u بأنه مع هذا الملك كان مسلما لله، فلم يحجب به عن الله، فقال
تعالى على لسانه:﴿ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا
مُسْلِمِينَ)
فلما رأى سليمان u حاجتها إلى المزيد من الأدلة،
أحضرها إلى الصرح الممرد من القوارير، وقد كان من الجمال بحيث لا يساوي عرشها الذي
شغلها عن الله شيئا بجانبه، وحينذاك لم تملك إلا أن تسلم لله، قال تعالى:﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي
الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ
إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي
وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (النمل:44)
قال: بل في القرآن الكريم ما يدل
على هذا المعنى، فقد أوتيت ملكة سبأ من الذكاء ما استطاعت أن تميز به الملوك من
المؤمنين، فقد أرسلت بهدية قيمة لسليمان u لتختبره موقفه من المال، قال
تعالى على لسانها:﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ
بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ (النمل:35)
لكن سليمان u نظر إلى ما أعطاه الله من
الإيمان والفضل فوجده أعظم بكثير من أن ينحجب بهديتهم، فقال:﴿ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ
فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ
تَفْرَحُونَ﴾
(النمل:36)