وقال مخاطبا رعيته:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ
الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ (النمل: 16)، فقد أرجع الفضل إلى الله في تعليمه منطق الطير، أو في إتيانه
من كل شيء.
قال: فإن سليمان u طلب ذلك الملك، وبتلك الصورة
التي لا ينازعه فيها أحد ليكون حجة على من شغله ملكه عن الله، وكأن سليمان u يقول لربه:(يارب هب لي من
الملك ما تشاء .. بل هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي أن يحصل عليه .. فإن هذا
الملك مهما كان عظيما .. وذلك الفضل مهما كان وفيرا لن يحجباني عنك ولن يبعدا قلبي
عن الرغبة فيك .. فإني لا أرى الأشياء مهما كثرت إلا منك .. ولا أرى نفسي إلا بك
.. فكيف أحجب بهداياك الواصلة إلي .. أم كيف أنشغل بفضلك عنك)
قلت: فاستجاب الله ليبلوه.
قال: لا، بل استجاب له، ليبلوكم.
قلت: كيف؟
قال: لقد علم الله صدقه وصدق يقينه،
فجعله حجة على كل من انشغل بفضل الله عن الله، أو انشغل بالرغبة في الأشياء عن
الرغبة في مشيئ الأشياء .. وقد جعله الله تعالى بالإضافة إلى ذلك مقوما لمن أساءوا
فهم الزهد، فتصوروا الأرزاق حجبا عن الله، والفضل الإلهي جنودا لله تبعد عن الله.
قلت: نعم، هذا صحيح، ولعله لأجل هذا
ذكر الله تعالى ما أظهر سليمان u لملكة سبأ من مظاهر الملك الذي أعطاه الله له، فلم يكن غرضه الفخر
عليها، وإنما