أو في شهر أو في سنة قريب، وإن كان قصير الأمل ولكن
كان له أولاد أقام الولد مقام طول الأمل، فإنه يقدر بقاءهم كبقاء نفسه فيمسك
لأجلهم، ولذلك قال a: (الولد مبخلة مجبنة مجهلة)[1]، فإذا انضاف إلى ذلك خوف الفقر وقلة الثقة بمجيء الرزق قوي تمسكه بالمال
لا محالة.
قال الرجل:
عرفت الأول، فما الثاني؟
قال شعيب:
الثاني، أن يحب عين المال؛ فمن الناس من معه ما يكفيه لبقية عمره إذا اقتصر على ما
جرت به عادته بنفقته، بل يزيد على ذلك آلافا مؤلفة، وهو شيخ بلا ولد، ومعه أموال
كثيرة، ولا تسمح نفسه بإخراج الزكاة، بل قد لا تسمح نفسه بمداواة نفسه عند المرض،
بل صار محباً للدنانير عاشقاً لها يلتذ بوجودها في يده وبقدرته عليها، فيكنزها تحت
الأرض وهو يعلم أنه يموت فتضيع أو يأخذها أعداؤه، ومع هذا لا تسمح نفسه بأن يأكل
أو يتصدق منها بحبة واحدة.
وهذا مرض
للقلب، علاجه عسير لا سيما في كبر السن، بل هو مرض مزمن لا يرجى علاجه.. ومثال
صاحبه: مثال رجل عشق شخصاً فأحب رسوله لنفسه ثم نسي محبوبه واشتغل برسوله.. فالدنانير
رسول يبلغ إلى الحاجات فصارت محبوبة لذلك، لأن الموصل إلى اللذيذ لذيذ، ثم قد تنسى
الحاجات ويصير الذهب عنده كأنه محبوب في نفسه وهو غاية الضلال، بل من رأى بينه
وبين الحجر فرقاً فهو جاهل إلا من حيث قضاء حاجته به، فالفاضل عن قدر حاجته والحجر
بمثابة واحدة.
قال آخر:
عرفنا المنابع التي ينبع منها حب المال.. فما السد الذي يحمينا من شر مياهه
المتعفنة؟