قال شعيب: أنتم تعلمون أن علاج كل علة بمضادة سببها..
فلذلك يعالج حب الشهوات بالقناعة باليسير وبالصبر، ويعالج طول الأمل بكثرة ذكر
الموت والنظر في موت الأقران وطول تعبهم في جمع المال وضياعه بعدهم، ويعالج التفات
القلب إلى الولد بأن خالقه خلق معه رزقه، وكم من ولد ولم يرث من أبيه مالاً وحاله
أحسن ممن ورث؟ وبأن يعلم أنه يجمع المال لولده يريد أن يترك ولده بخير وينقلب هو
إلى شر، وأن ولده إن كان تقياً صالحاً فالله كافيه، وإن كان فاسقاً فيستعين بماله
على المعصية وترجع مظلمته إليه.
وقد روي في
هذا أن بعضهم دخل على رجل يعوده في مرضه، فرآه يصوّب بصره في صندوق في بيته
ويصعّده، ثمّ قال: يا فلان، ما تقول في مائة ألف في هذا الصّندوق، لم أؤدّ منها
زكاة، ولم أصل منها رحما؟ قال: ثكلتك أمّك، ولمن كنت تجمعها؟ قال: لروعة الزّمان،
وجفوة السّلطان، ومكاثرة العشيرة. ثمّ مات، فشهده الرجل، فلمّا فرغ من دفنه. قال:
انظروا إلى هذا المسكين، أتاه شيطانه فحذّره روعة زمانه، وجفوة سلطانه، ومكاثرة
عشيرته. عمّا رزقه اللّه إيّاه وغمره فيه، انظروا كيف خرج منها مسلوبا محروبا. ثمّ
التفت إلى الوارث فقال: (أيّها الوارث لا تخدعنّ كما خدع صويحبك بالأمس، أتاك هذا
المال حلالا فلا يكوننّ عليك وبالا، أتاك عفوا صفوا ممّن كان له جموعا منوعا، من
باطل جمعه، ومن حقّ منعه، قطع فيه لجج البحار، ومفاوز القفار، لم تكدح فيه بيمين،
ولم يعرق لك فيه جبين. إنّ يوم القيامة يوم ذو حسرات، وإنّ من أعظم الحسرات غدا أن
ترى مالك في ميزان غيرك، فيالها عثرة لا تقال، وتوبة لا تنال)
قال آخر: فهل
من علاج آخر غير هذا؟
قال شعيب:
أجل.. يعالج نفسه بما ورد في الأخبار من مذمة كنز المال، ومنع الحقوق الواجبة فيه..
ومن ذلك ما
ورد في الحديث من قوله a: (ما من صاحب إبل
لا يفعل فيها حقّها إلّا