وقال أبو هاشم القرشي: قدمت علينا امرأة من أهل اليمن
يقال لها سرية فنزلت في بعض ديارنا، قال: فكنت أسمع لها من الليل أنيناً وشهيقاً،
فقلت يوماً لخادم لي: أشرف على هذه المرأة ماذا تصنع قال: فأشرف عليها فما رآها
تصنع، شيئاً غير أنها لا تردّ طرفها عن السماء وهي مستقبلة القبلة تقول: خلقت سرية
ثم غذيتها بنعمتك من حال إلى حال، وكل أحوالك لها حسنة وكل بلائك عندها جميل، وهي
مع ذلك متعرضة لسخطك بالتوثب على معاصيك فلتة بعد فلتة: أتراها تظن أنك لا ترى سوء
فعالها وأنت عليم خبـير وأنت على كل شيء قدير.
وقال ذو
النون المصري: خرجت ليلة من وادي كنعان فلما علوت الوادي إذا سواد مقبل عليَّ وهو
يقول :﴿.. وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ
(47)﴾ (الزمر) ويبكي فلما قرب مني السواد إذا هي امرأة عليها جبة صوف
وبـيدها ركوة، فقالت لي: من أنت؟ غير فزعة مني، فقلت: رجل غريب، فقالت: يا هذا وهل
يوجد مع الله غربة؟ قال: فبكيت لقولها فقالت: ما الذي أبكاك؟ فقلت: قد وقع الدواء
على داء قد قرح فأسرع في نجاحه، قالت: فإن كنت صادقاً فلم بكيت؟ قلت: يرحمك الله
والصادق لا يبكي؟ قالت: لا، قلت: ولم ذاك؟ قالت: لأن البكاء راحة القلب، فسكتُّ
متعجباً من قولها.
وقال أحمد
بن علي: استأذنا على عفيرة فحجبتنا فلازمنا الباب، فلما علمت ذلك قامت لتفتح الباب
لنا فسمعتها وهي تقول: اللهم إني أعوذ بك ممن جاء يشغلني عن ذكرك، ثم فتحت الباب
ودخلنا عليها فقلنا لها: يا أمة الله ادعي لنا، فقالت: جعل الله قراكم في بـيتي
المغفرة، ثم قالت لنا: مكث عطاء السلمي أربعين سنة فكان لا ينظر إلى السماء، فحانت
منه نظرة فخر مغشياً عليه فأصابه فتق في بطنه، فيا ليت عفيرة إذا رفعت رأسها لم
تعص ويا ليتها إذا عصت لم تعد وقال بعض الصالحين: خرجت يوماً إلى السوق ومعي جارية
حبشية فاحتبستها في موضع بناحية السوق وذهبت في بعض حوائجي وقلت: لا تبرحي حتى