قال: ذلك عند كل الناس ما عدا المستيقظ.. فإن الموت
عنده حقيقة حاضرة يعيشها.. ويلتزم بلوازمها.. فلا يركن إلى الدنيا ولا يركن إلى
الأهواء، ولا ينشغل بالعاجلة عن الباقية..
لقد حدث
الصالحون عن الربيع بن خثيم وغيره من الأولياء أنهم كانوا يرتدون الأكفان،
ويتوسدون التراب؟! ليستشعروا حضور الموت، فيعملوا بمقتضيات علمهم به.
وحدثوا عن إبراهيم
التيمي أنه قال: (مثّلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، ثم مثّلت
نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت
لنفسي : أي شيء تريدين؟ قالت : أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحا. قال : قلت :
فأنت في الأمنية فاعملي)
وحدثوا عن سالم
الخواص أنه كان يقرأ الآية ويكررها، ويتلذذ بذلك كما يتلذذ أحدنا بالعسل، وعندما
سئل عن سر ذلك قال: (كنت أقرأ القرآن ولا أجد له حلاوة ، فقلت لنفسي: اقرئيه كأنك
سمعتيه من رسول الله a، فجاءت حلاوة قليلة ، فقلت
لنفسي : اقرئيه كأنك سمعتيه من جبريل u حين يخبر به
النبي a فازدادت الحلاوة ، ثم قلت لها : اقرئيه كأنك
سمعتيه حين تُكِّلم به، فأتت الحلاوة كلها)
انظروا إلى
هذا المستيقظ كيف صار يسمع الكلام من ربه.. هذه هي اليقظة الحقيقية..
لقد قلت ذلك
لأهل ترمذ، فراحوا يرمونني بالدواهي.. فإياكم أن تكونوا مثلهم.. واسمعوا إلى الله،
فإنكم ستجدونه يخاطبكم خطابا مباشرا.. فإياكم أن تنشغلوا بالحجب عن خطابه.
***
بقينا مدة في
صحبة الحكيم الترمذي إلى أن خرقت لنا الحجب، وفتحت لنا الأبواب، وانفتح من أعيننا
ما كان مغمضا، ومن آذاننا ما كان مسدودا..
وبعد أن رأى
الترمذي منا هذه الأحوال طلب منا أن نسير إلى القسم الثاني.