سرنا إلى
القسم الثاني، وكان إمامه إمام من أئمة الحديث والتقوى.. كان الجميع يسمونه (الإمام
النسائي)[1]، وقد علمت أنه قدم فارا من دمشق بعد أن طلب بعض المبتدعة منه فيها أن
يثني على بعض الظلمة.. فأبى، وقال لهم بكل قوة: إن الثناء على الظالم دعوة للظلم..
وإن الثناء على الظالم سب للمظلوم.. وإن الله أمرنا بلعنة الظالم الباغي، ولم يأمرنا
بالترضي عنه أو الترحم عليه.. وإن الله قال:﴿ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
الظَّالِمِينَ (18)﴾ (هود)، ولم يقل: (ألا رحمة الله على الظالمين)
بمجرد أن
دخلنا قاعة القسم وجدنا نفرا من الناس يجادلونه بكل قوة، قال أحدهم: ما تقول يا
إمام.. أنسيت أن من تذكره بهذه المثالب هو خال المؤمنين؟
قال: حتى لو
كان أبا للمؤمنين أو ابنا لهم.. لاشك أنكم تعلمون أن صفية زوج رسول الله a
هي أم من أمهات المؤمنين.. فمن كان أبوها الذي هو جد المؤمنين؟
[1]
أشير به إلى أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي الكبير
(215-303 هـ) القاضي الإمام، أحد الأئمة المبرزين والحفاظ المتقنين، والأعلام
المشهورين. طاف البلاد وسمع من ناس في خراسان والعراق والحجاز ومصر والشام
والجزيرة وغيرها. قال الحاكم: كان النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره وأعرفهم بالصحيح
والسقيم من الآثار وأعرفهم بالرجال. له من الكتب: السنن الكبرى في الحديث؛ المجتبى
وهو السنن الصغرى، خصائص عليّ؛ مسند عليّ؛ الضعفاء والمتروكون بمسند مالك.
وقد تعرض هو الآخر لمحنة
سببها كتابه في في فضل الإمام علي بن أبي طالب الذي جمع فيه الاحاديث الواردة في
فضل الامام أمير المؤمنين وأهل بيته.. فقد ذكر المؤرخون أنه بعد أن ترك مصر في
أواخر عمره قصد دمشق ونزلها، فوجد الكثير من أهلها منحرفين عن الامام علي بن أبي
طالب، فأخذ على نفسه وضع كتاب يضم مناقبه وفضائله رجاء أن يهتدي به من يطالعه أو
يلقى إليه سمعه، فأتى به والقاه على مسامعهم بصورة دروس متواصلة.
وبعد ان فرغ منه سئل عن
معاوية وما روي من فضائله، فقال: (أما يرضى معاوية ان يخرج رأسا برأس حتى يفضل؟)،
وفي رواية: (ما أعرف له فضيلة إلا لا أشبع الله بطنك)، فهجموا عليه وداسوه حتى
أخرجوه من المسجد، فقال: احملوني إلى مكة، فحمل إليها، فتوفى بها.