قل له: يحسن مبايعتي، فمدَّ يده وقال: (أموالكم تملكون، إنِّي أرجو
أن ألقى الله عزّ وجلّ يوم القيامة لا يطلبني أحد منكم بشيء ظلمته في مال ولا في
دم ولا عرض إلا بحقه، رحم الله أمرأ سهل البيع، سهل الشراء، سهل الأخذ، سهل
العطاء، سهل القضاء، سهل التقاضي)، ثم مضى، فقلت: والله لأقضينَّ هذا فإنه حسن
القول، فتبعته فقلت: يا محمد، فالتفت إليَّ بجميعه فقال: (ما تشاء؟)، فقلت: أنت
الذي أضللتَ الناس وأهلكتَهم وصدَدتهم عمَّا كان يعبد آباؤهم؟ قال: (ذاك الله)،
قال: ما تدعو إليه؟ قال: (أدعو عباد الله إلى الله)، قلت: ما تقول؟ قال: (أشهد أن
لا إله إلا الله وأنِّي محمد رسول الله، وتؤمن بما أنزله عليَّ، وتفكر باللات
والعُزَّى، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة)، قلت: وما الزكاة؟ قال: (يردّ غنينا على
فقيرنا)؛ قلت: نِعمَ الشيء تدعو إليه. قال: فلقد كان وما في الأرض أحد يتنفس أبغض
إليّ منه، فما برح حتى كان أحب إليّ من ولدي ووالديَّ ومن الناس أجمعين، فقلت: قد
عرفتُ؛ قال:(قد عرفتَ؟) قلت: نعم؛ قال: (تشهد أن لا إِله إِلا الله وأنِّي محمد
رسول الله، وتؤمن بما أُنزل عليّ)، قلت: نعم، يا رسول الله، إنِّي أرد ماءً عليه
كثير من الناس فأدعوهم إلى ما دعوتني إليه، فإنِّي أرجو أن يتَّبعوك، قال: نعم،
فادعهم؛ فأسلم أهل ذلك الماء رجالهم ونساؤهم، فمسح رسول الله a رأسه[1].
الموعظة:
رأيت في المرتبة الثانية من مراتب
الأساليب (مرتبة الموعظة)، فسألته عنها، فقال: هي كل أساليب التأثير التي تخاطب
بها النفوس لتمتلئ بحقائق الإيمان.
قلت: فمن أصحاب هذه المرتبة؟
قال: لقد ذكرهم الرازي، فقال: (هم الذين ما بلغوا في الكمال إلى حد
الحكماء المحققين، وفي النقصان والرذالة إلى حد المشاغبين المخاصمين، بل هم أقوام
بقوا على
[1] رواه أبو يَعْلى قال الهيثمي وفيه: راوٍ لم يسمَّ،
وبقية رجاله وُثِّقوا.