قال: ليس في هذا الباب فاضل ولا مفضول.. فالسلوك الطيب يمثل معناه
ولا يمثل شخص من سلكه.. فسلوك الكرم الذي اشتهر به حاتم كان داعية للكرم ولم يكن
داعية لحاتم.
قلت: فلم لم يكتف بالأمر بالمعاني، بل رأينا الله تعالى يأمرنا
بالاقتداء بمن تلبس بها؟
قال: ذلك يرجع إلى أن المعارف تظل أرواحا مجردة قد لا تجد من يلتفت
إليها حتى تجد الأجساد الطاهرة التي تمثلها، فتخرج من عالم المثال إلى عالم
الواقع.
وكمثال على ذلك تمثيل الرسل ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ لدور التجرد
والإخلاص في التعامل مع الله، وهذا ما تبرهن عليه خطبهم لأقوامهم في القرآن
الكريم، والتي يحرص القرآن الكريم على ذكرها وتكرارها لتصبح في محل نظر المقتدي،
فلا يتيه بالحوادث عن مواضع القدوة، قال تعالى على ألسنتهم:﴿ يَا قَوْمِ لا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي
أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ (هود:51)
ولهذا أمر رسول الله a أن
يردد أقوالهم، اقتداء بهم فقال تعالى:﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ
مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾ (الفرقان:57)
ولهذا كان a
يستحضر مواقف الأنبياء ليعيد إحياءها من جديد، فكان يستحضر في المواقف المختلفة ما
حصل لإخوانه من الأنبياء، عن عبد اللّه بن مسعود قال: قسم رسول اللّه a ذات يوم قسماً فقال رجل من الأنصار: إن
هذه القسمة ما أريد بها وجه اللّه، قال، فقلت: يا عدو اللّه أما لأخبرن رسول اللّه
a بما قلت، فذكرت ذلك للنبي a فاحمر وجهه ثم قال:(رحمة اللّه على
موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر)[1]
وفي موقف آخر قال a:(أقول
كما قال أخي يوسف:﴿ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ
لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (يوسف: 92))[2]