الله a.. ولكن النبي a حكيم الحكماء، أدرك ما كانت المرأة عليه
من حالة خاصة، فضلاً عن أنها لم تعرفه.. فاكتفى بأن أعرض عنها، بل أعرض عن تعليمها، لأنها في حال لا
يُمَكّنها من القبول والفهم، فلما جاءته وكانت في نفسية غير نفسيتها الأولى، أقبل عليها الرسول a يعظها ويعلمها ولا يعاتبها.
ومثل ذلك ما روي أن شابا جاء إلى النبي a فقال: ائذن لي بالزنى، فأقبل القوم عليه، فزجروه،
وقالوا: مه مه، فقال: ادنه فدنا منه قريباً، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا
والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم قال: أفتحبه لابنتك؟
قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم قال
أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم
قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه
لعماتهم قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس
يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه،
وحَصِّن فَرْجَه قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء[1].
انظر كيف أدرك رسول الله a حالته الخاصة،
فلقد كان يتصارع في نفس الشاب شهوة عارمة، وإيمان صادق، ولم ير الشاب ـ وقتئذ ـ حلاً لهذا الصراع، وَفَضَّاً لهذا
النزاع.. إلا إذناً من النبي a
يتجاوز به حدود الشرع.. فأدرك النبي a حال الشاب، فلم
يتوجه إليه بموعظة إيمانية، فضلاً عن أن يُعنِّفه أو يُوَبِّخه أو يطرده، بل راح
يُذَكِّرُهُ بما في هذا العمل من مفسدة أخلاقية عظيمة.. تستبشعها الفطر السليمة،
وتستقبحها النفوس العفيفة..
قلت: ألا ترى أن قوله a:(أقيلوا
ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود)[2] مما يمكن أن يدخل هذا الباب؟
[1] رواه
أحمد واللفظ له، والطبراني في الكبير وفي مسند الشاميين.