لكنهم لم يفعلوا.. بينما الآية التالية تستثني أصحاب الظروف الخاصة
الذين قعدت بهم ظروفهم عن الهجرة، قال تعالى:﴿ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ
مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا
يَهْتَدُونَ سَبِيلاً﴾ (النساء:98)
وقد كان a
يراعي هذه الناحية.. والأمثلة كثيرة على ذلك..
من ذلك مثلا أن أبا ذر لما أسلم أمره رسول الله a أن يرجع إلى قومه قائلا له:(ارجع إلى
قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري)[1]، فالنبي a في هذا الحديث أمره أن يمكث في أهله،
ولا يهاجر حتى ينتصر الرسول a
ويتمكّن في الأرض.
قلت: كيف ذلك مع أن الهجرة كانت فرضا.. وقد قال تعالى:﴿
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ
شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ
النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (لأنفال:72)
قال: لأن ظروف أبي ذر كانت تختلف اختلافا كبيرا عن ظروف سائر الصحابة..
فلم يكن أبو ذر من أهل مكة، ولم
يكن له ناصر منهم، فيؤذونه أذى كبيرًا، فلذلك طلب منه رسول الله a ذلك.
قلت: وعيت هذا.. فاذكر لي أمثلة أخرى..
قال: من ذلك ـ مثلا ـ أن رسول الله a مر بامرأة تبكي على ولدها، فقال:(اتقي الله واصبري)، فقالت:
إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم
تعرفه، فقيل لها: إنه النبي a،
فأتت باب النبي a، فلم تجد عنده بَوَّابِين،
فقالت: لم أعرفك، فقال:(إنما الصبر عند الصدمة الأولى)[2]
انظر.. لا شك أن كلمتها (إليكَ عني) كلمة كبيرة على أحدنا، فكيف إذا قيلت لرسول