قلت: أعرف هذا.. ولكني لا أزال أتساءل عن سر الشهادة التي هي وظيفة
هذه الأمة نحو سائر الأمم.
قال: الشهادة تتحقق بأن تكون الأمة نموذجا صالحا تهتدي بهديها الأمم،
بل تحن لسلوك سبيلها.
قلت: فكيف تتحقق هذه الشهادة في منتهى كمالها؟
قال: تعال معي لأدلك على من يعلمك علوم ذلك.
قلت: أتريد أن تبعدني من هذا المحل الطيب الذي لا حياة للقلب إلا به؟
قال: اجعل هذا المحل في قلبك، وسر حيث شئت، أنسيت ما قال لك معلم
الهداية؟
قلت: لقد قال لي:(سر في الأرض.. فلن ينال الهداية ولا علوم الهداية
إلا من سار في الأرض، وخبر البشر، وتعلم لغة الطير، وسلك مسالك النحل، وسكن قرى
النمل)
قال: فسر.. فبالله إن تسر تر العجائب.
***
سرت مع الرجل في بعض الأحياء العتيقة من المدينة المنورة إلى أن دخلنا
دارا لم تكن تبعد كثيرا عن مسجد رسول الله a.. ولكنها في ظاهرها كانت دارا غريبة.. فلم تكن تشبه أي دار من تلك
الدور المحيطة بها.. لقد كانت وكأنها من عالم آخر.
قلت: أهي دار عتيقة من تلك الدور التي لا نزال نرى مثلها في الآثار؟
قال: لا.. بل هي دار عصرية حديثة.. بل هي أكثر تطورا من جميع ما
رأيته من دور.. ومع ذلك، فهي تحتفظ بجميع حلل الأصالة..