يُفكرون بتوبة.. ومنهم المقتصدون الذين يأتون بالواجبات، ويجتنبون المحرمات، ولكنهم لا يسارعون في الخيرات، وإذا ما
وقعوا في بعض الذنوب لم يصروا عليها، ويسارعون إلى التوبة.. ومنهم بعد ذلك كله
الأخيار الذين أتوا بالواجبات على وجهها، وبمعظم النوافل،
واجتنبوا محارم الله أو تابوا منها توبة نصوحاً.. وبين هؤلاء جميعا طبقات كثيرة لا
يمكن حصرها.
فهل ترى من الحكمة أن يخاطب هؤلاء جميعا بأسلوب واحد وبمعاني
واحدة؟
قلت: لا شك في أن ذلك لا يصح.. ومن فعل ذلك يكون كمن عالج
مريض القلب بأدوية الزكام.. أو عالج المزكوم بأدوية أمراض القلب.
قال: ولهذا وضعت هذه المرتبة.. فلم أر من الحكمة أن أتكلم مع الملاحدة عن
طاعة الله، ومحبة رسوله a، والتمسك بالدين، وأحتج لهم بالآيات والأحاديث، وهم لا يؤمنون برب، ولا يقرون بدين.
ولم أر من الحكمة أن أتكلم مع أهل الكتاب عن أهمية الصلاة، أو أحكام الطلاق، وهم لا يُسلِّمون بالأصل.
قلت: فأين هذا في القرآن الكريم أو في حياة رسول الله a التي تستند للقرآن؟
قال: هذا كثير في القرآن.. فالقرآن الكريم يذكر اختلاف أصناف الناس..
ويذكر مدى تميزهم في توجهاتهم.. فالله تعالى يقول ـ مثلا ـ عن أصناف ورثة الكتاب:﴿
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ
ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ
بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ (فاطر:32)
وهو يخاطب الناس بحسب توجهاتهم.. فيخاطب الدهريين بإثبات وجود
الخالق، فيقول:﴿ أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيىءٍ أَمْ هُمُ
الْخَالِقُونَ ﴾(الطور: 35)، ويقول:﴿ هـَذَا خَلْقُ
اللّهِ فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ الّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظّالِمُونَ فِي
ضَلاَلٍ مّبِينٍ﴾(لقمان: 11)، ويقول:﴿ وَمِنْ