قال: هو أن يجتهد حتى لا تدل أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا
يتصف هو به..
قلت: أتقصد أن لا يعمل حتى يأنس من نفسه الصدق في عمله؟
قال: لا.. لا أقصد أن يترك الأعمال الظاهرة.. ولكن يستجر الباطن إلى
تصديق الظاهر.
قلت: فاضرب لي مثالا على ذلك.
قال: من قام في الصلاة ـ مثلا ـ على هيئة الخشوع في صلاته، وهو ليس
يقصد به مشاهدة غيره، ولكن قلبه غافل عن الصلاة، فمن ينظر إليه يراه قائماً بين
يدي الله تعالى، وهو بالباطن قائم في السوق بين يدي شهوة من شهواته.. فهذه أعمال
تعرب بلسان الحال عن الباطن إعراباً هو فيه كاذب.
قلت: إن ما ذكرته شديد.. فما المنجاة منه؟
قال: بتعلم علوم الصدق.. وهي العلوم التي تجعل سريرته تستوي مع
علانيته، فيكون باطنه مثل ظاهره أو خيراً من ظاهره.
قلت: لقد ذكرتني بقول الشاعر:
إذا السر والإعلان في المؤمن استوى
فقد عز في الدارين واستوجب الثنا
فإن خالف الإعلان سراً فما له
على سعيه فضل سوى الكد والعنا
فما خالص الدينار في السوق نافق
ومغشوشه المردود لا يتقضى المنا
قال: لقد قال رسول الله a في دعائه يشير إلى هذا:(اللهم اجعل سريرتي خيراً من علانيتي واجعل
علانيتي صالحة)[1]
قلت: وعيت هذا.. فحدثني عن الصدق في مقامات الدين.
قال: ذاك أعلى أنواع الصدق وأعزها.. فلجميع مقامات الدين من الخوف
والرجاء