قال: فهذه العزيمة قد يصادفها حقيقة من نفسه وهي ـ حينذاك ـ عزيمة
جازمة صادقة، وقد يكون في عزمه نوع ميل وتردد وضعف يضاد الصدق في العزيمة، فكان
الصدق ههنا عبارة عن التمام والقوة.
قلت: وعيت هذا.. فحدثني عن صدق الوفاء بالعزم.
قال: قد تسخو النفس بالعزم في الحال.. إذ لا مشقة في الوعد والعزم..
ولكنه إذا حقت الحقائق، وحصل التمكن، وهاجت الشهوات، انحلت العزيمة، وغلبت
الشهوات، ولم يتفق الوفاء بالعزم، وهذا يضاد الصدق فيه.
لقد قال الله تعالى يشير إلى هذا النوع من الصدق:﴿ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ
قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب:23)
لقد روي في هذا عن أنس قال: عمي أنس بن النضر سُميت به، لم يشهد مع
رسول الله a يوم بدر، فشق عليه وقال: أول
مشهد شهده رسول الله a
غُيِّبْتُ عنه، لئن أراني الله مشهدا فيما بعد مع رسول الله a لَيَرَيَنَ الله ما أصنع. قال: فهاب أن
يقول غيرها، فشهد مع رسول الله a يوم
أحد، فاستقبل سعدَ بن معاذ فقال له أنس: يا أبا عمرو، أبِنْ، واهًا لريح الجنة
أجده دون أحد، قال: فقاتلهم حتى قُتل قال: فَوُجد في جسده بضع وثمانون من ضربة
وطعنة ورمية، فقالت أخته ـ عمتي الرُّبَيّع ابنة النضر ـ: فما عرفتُ أخي إلا
ببنانه، قال: فنزلت هذه الآية:﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا
عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب:23)، قال: فكانوا يُرَون
أنها نزلت فيه، وفي أصحابه[1].