في التعامل مع هذه النصوص المقدسة، فمنهم من راح يفسر التوكل
بالاستغراق في التوحيد ونبذ الأسباب، واعتبار الأخذ بها قدحا في التوكل.
ومنهم من راح يستغرق في الأسباب، ويؤول هذه النصوص، ويحملها على
محامل تنفي التوحيد، وتجعل من التوكل مجرد اسم لا حقيقة وجودية له.
قال: إن من قرأ هذه النصوص بإيمان وصدق ويقين فهم التوكل على الله حق
فهمه، فلم يجنح به إلى أي جهة من الجهات.. لا جهة الإفراط، ولا جهة التفريط.. وهذا
ما أحوج أهل الله لبناء هذا المنزل، ووضع الأسوار التي تحيط به، والتي تمنع دخول
المتطفلين إليه.
قلت: فما ذكروا من هذه الأسوار؟
قال: لقد ذكروا أن التوكل ـ كسائر المقامات ـ ينتظم من علم، وحال،
وعمل.
قلت: فما العلم المرتبط بالتوكل؟
قال: التوحيد.. كل مقامات التقديس تبدأ بالتوحيد، وتنتهي به.
قلت: فما التوحيد الذي لا يصير المتوكل متوكلا إلا بتعلمه؟
قال: هو ما وردت به الأذكار من قوله a:(من قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب،
وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى
يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك)[1]
قلت: لقد وردت النصوص الكثيرة تحث على هذا الذكر، وتبين فضله.
قال: إن هذا الذكر العظيم يحتوي على مجامع العلوم التي يقوم عليها
بنيان التوكل: فالتوكل ينبني على التوحيد الذي يترجمه قولك: (لا إله إلا الله وحده
لا شريك له)، والإيمان