بالقدرة التي يترجم عنها قولك (له الملك)، والإيمان بالجود والحكمة
الذي يدل عليه قولك (وله الحمد)
ولذلك من قال (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد
وهو على كل شيء قدير) تم له الإيمان الذي هو أصل التوكل.
قلت: ما أكثر من يقول هذا، ولكني لا أرى عليه حال المتوكلين.
قال: ليس القول قول اللسان وحده.. القول ما قال الفؤاد.. ولذلك، فقد
ذكر أهل الله أن للتوحيد ـ الذي هو منبع التوكل وأصله ـ أربع مراتب، وهو بذلك
ينقسم كالجوز إلى لب، وإلى لب اللب، وإلى قشر، وإلى قشر القشر.
فالرتبة الأولى من التوحيد: هي أن يقول الإنسان بلسانه (لا إله إلا
الله)، وقلبه غافل عنه أو منكر له كتوحيد المنافقين.
والثانية: أن يصدق بمعنى اللفظ قلبه، كما صدق به عموم المسلمين وهو
اعتقاد العوام.
والثالثة: أن يشاهد ذلك بواسطة نور الحق وهو مقام المقربين، وذلك بأن
يرى أشياء كثيرة، ولكن يراها على كثرتها صادرة عن الواحد القهار.
والرابعة: أن لا يرى في الوجود إلا واحداً، وهي مشاهدة الصديقين، حيث
لا يرى إلا واحداً.. ويطلق عليه أهل الله لقب (الفناء)
قلت: الفناء !؟.. دخلنا في الهرطقات.. هذا ما كنت أحذر منه؟
قال: لا تستعجل.. فليس الفناء ما يفهمه المتطرفون الموغلون في الحس..
فناء أهل الله فناء أرقى وأطهر وأنبل..
لقد ذكره سيد ببيانه البليغ، فقال في بيانه لما تمتلئ به النفس من
معاني قوله تعالى:﴿
هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ﴾ (الحديد:3):(وما يكاد يفيق من تصور هذه الحقيقة الضخمة التي تملأ
الكيان البشري وتفيض، حتى تطالعه حقيقة أخرى، لعلها