تكن تخطر على بالي في ذلك المنزل شبهة تريد أن تردعني عن التقوى
وتزجرني عنها حتى يأتي فضل الله المخزن في التقوى، فيخرجنا منها سالما غانما.
العروج
بعد أن مكثت ما شاء الله لي أن أمكث في ذلك المنزل المبارك بصحبة
(الزاهد) ومن فيه من الخبراء والعلماء شعرت بحلاوة في قلبي لا أستطيع لها تعبيرا
ولا وصفا، فاستأذنت الزاهد أن أذهب إلى شيخي (أبي مدين) لعلي أعرف سرها، فأذن لي.
التوكل:
عندما دخلت عليه كان في مجلسه (الخواص)، وكانا يتذاكران في التوكل،
وما إن دخلت عليهما حتى أسرع الخواص إلي يلتزمني، ويقول: أهلا بك في منازل المتوكلين.
قلت: تلك منازل عالية، فكيف عرفت أني من أهلها؟
قال: التوكل هو صنعتي[1]، ولا يعجز الصانع أن يتعرف على
أهل صنعته.
قلت: أللمتوكلين سيما خاصة؟
قال: لكل مقام سيماه الخاصة التي يعرفه من خلالها أهل الله.
قلت: أليس ذلك نوعا من الاستشراف للغيب؟
قال: أليس في قدرة الطبيب الخبير أن يتعرف على الداء بمجرد النظر إلى
المريض؟
قلت: بلى.. هناك أطباء كثيرون يقدرون على ذلك.
قال: جل ربك أن يجعل في أطباء الجسد من يقدر على هذا، ثم لا يجعل في
أطباء
[1] نرى
من خلال دراسة طبقات الأولياء تخصص الكثير منهم في الحديث عن بعض مقامات السلوك
دون بعضها، وقد اشتهر الخواص من بينهم خصوصا بالتخصص في التوكل، ولذلك رمزنا به
إليه في هذا المحل.