قلت: فذرني ـ أولا ـ أسأل شيخي عن حلاوة عرضت لقلبي لم أعرف لها
تفسيرا.
قال: تلك حلاوة التوكل.. فللتوكل من الحلاوة ما لا يعدله شيء.
قلت: كيف عرفت ذلك؟
قال: ألم تشعر بطمأنينة عظيمة.. وكأنك ملك على عرشك.. كلما احتجت
شيئا رزقا أو غيره جاءك من غير عناء ولا تعب؟
قلت: بلى.. ذلك صحيح.. لم أشعر بالراحة في يوم من أيام حياتي كما
شعرت في صحبة هذه الحلاوة.. لقد صرت أتخيل أن لدي كل شيء.. وأنه لم يفتني شيء..
فلذلك زالت كل أحزاني، وارتفعت كل شكواي.
قال: فهذا هو التوكل.. فاصحبني لتتعلم علومه.. ففي كل منزل من منازل
السلوك ممالك ومهالك.. ولن ينجو منها إلا من اتقى بالعلم الذي علمه الله لأهل الله
ببركة متابعتهم لرسول الله a.
سرت مع الخواص إلى منزل التوكل، وقد كان منزلا في غاية الإبداع
والجمال والقوة، يخيل إلى الناظر إليه أنه قائم في الهواء من غير أعمدة، ولكنه
يقوم على أعمدة كثيرة لا يراها الكثير.. ومع ذلك فهي أقوى من كل شيء..
لقد ذكرني رؤيتي لها قوله تعالى:﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ
السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ (الرعد: 2)
ورأيت طيورا كثيرة تأوى إلى ذلك المنزل، والسرور يملأ محياها، فهي
تغرد بكل ألحان الرضا، فذكرتني رؤيتي لها بقوله a: (لو أنكم تتوكلون على الله حق وتوكله
لرزقكم كما يرزق