رضيت بالوقوف دون الباب، فاعتمدت على ضبط أقوالك مع لحن أفعالك،
وإنك قد تهت بين خفض ورفع ونصب وجزم، فانقطعت عن المقصود، هلا رفعت إلى الله جميع
الحاجات، وخفضت كل المنكرات، وجزمت عن الشهوات، ونصبت بين عينيك الممات.. والله يا
أخي ما يقال للعبد لم لم تكن معرباً؟ وإنما يقال له: لم كنت مذنباً.. ليس المراد
فصاحة المقال، وإنما المراد فصاحة الفعال، ولو كان الفضل في فصاحة اللسان لكان
سيدنا هارون أولى بالرسالة من سيدنا موسى حيث يقول:﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ
أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي
أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ (القصص:34)
قلت: صحيح ما ذكرتموه.. ولكني مع ذلك أرى من يستغرق في عالم
نفسه، فهو لا يخرج من خلوة حتى يدخل خلوة.. وليس له مع كل ذلك أي همة لإصلاح
الأمة، ولا لتوجيهها.
نظر إلي أبو مدين بابتسامة، وكأنه أراد أن يقطع ذلك الحديث الذي
كاد يتحول إلى جدل، وقال: كيف تركت إخواني من الشناقطة؟
تعجبت من سؤاله هذا.. لكني حاولت أن أستر تعجبي، وقلت: هم بأحسن
حال.. تركتهم يبثون العلوم التي جاء بها رسول الله a ليشقوا بها حجب الظلمات، ويدكوا بها صروح الطغاة.
قال: فهل تعلمت من علومهم؟
قلت: أجل.. والحمد لله.. لقد رزقني الله من علومهم ما أرى أني
بحاجة إليه.
قال: فأنت الآن تحتاج إلى تعلم أسرار التطهير والعروج.
قلت: ما التطهير.. وما العروج !؟
قال: تطهير أرض النفوس من الأدناس.. والعروج بالأرواح إلى قدس
الأقداس.